ذكريات حملتها الرياح

انتقلت إلى منزل جديد، كان المنزل غريبًا بعض الشيء، أشبه بصندوقٍ من الذكريات. كان ملكًا لأبناءٍ فقدوا والدهم، فقرروا بيعه. تركوا كل شيء على حاله، ولم يأخذوا سوى أغراضهم ومستلزماتهم، تاركين لي حرية التصرف فيما تبقى. لم أعترض على ذلك، فلطالما أحببت الغوص في ذكريات الآخرين.

في كل زاوية، كنت أرى أثرًا من حياتهم: صوت ضحكاتهم التي لا تزال تتردد بين الجدران، وأحاديثهم التي تهمس بها الأرائك، وروحهم التي تملأ المكان. كان شعورًا غريبًا، مزيجًا من الدفء والحزن. تخيل أن تكون في مكانٍ شهد ضحكاتهم واجتماعاتهم، وكأنه يروي قصة حبهم لهذا المنزل.

اتجهت إلى غرفة بدت وكأنها غرفة مكتب الأب. كانت هناك مكتبة مهيبة يعلوها رف مليء بكتب الأدب والفقه. بدا لي أن صاحب المنزل السابق كان رجلًا مثقفًا جمع بين حب المعرفة، والتدين. 

مررت بالركن المخصص للصلاة، وأدركت أن القِبلة في ذلك الاتجاه. رأيت أيضًا المسابح الخشبية موضوعة بعناية، وكأنها تنتظر يدًا تمتد نحوها. شعرت براحة غريبة تعم أرجاء المكان.

تلك الليلة، لم أستطع النوم حتى وقت متأخر. وعندما غططت في النوم، رأيت حلمًا غريبًا: صاحب المنزل يأخذني من يدي إلى غرفة مكتبه. أشار إلى أعلى رف فوق المكتبة الخشبية، وقال بهدوء وابتسامة مشرقة: "من فضلك، أبلغي ذلك لأبنائي."

استيقظت قبيل الفجر، وقد اعتلاني شعور غريب. أكانت تلك رؤيا أم مجرد حلم؟ لم أستطع الانتظار حتى الصباح، فاتجهت إلى غرفة المكتب. وجدت الصندوق الذي أشار إليه في الحلم. أمسكت به بيدين مرتعشتين. إذاً، لم يكن ذلك مجرد وهم.

فتحت الصندوق الخشبي. كان مليئًا بالصور القديمة، ورسائل بين الأب والأم، والكثير من الصور العائلية. رأيت أيضًا ورودًا مجففة، وسوارًا يبدو ذا قيمة. بدا لي أن هذا الصندوق يحمل في داخله كل لحظات الحب والحنين التي عاشتها هذه العائلة.

قررت أنه عندما يحل الصباح، سأتصل بأحد الأبناء وأبلغهم بما وجدت، حتى أنفذ طلب والدهم.

بعد أسبوع من تلك الحادثة، وبعد أن أخبرت الأبناء وأعطيتهم ما طلبه والدهم رأيته في حلم آخر. كان يجلس معي في مكتبه وأخذ كتابًا من أحد الأرفف.كان ذلك الكتاب بغلاف أحمر يحمل عنوان "لغز الحياة". نظر إليّ بابتسامة هادئة وقال: "شكرًا لكِ. أنا أعتز حقًا بأشيائي، لكن الآن هي في يد أمينة. ذلك الكتاب هدية مني لك."

استيقظت من الحلم وقد غمرني شعور بالسكينة. كان ذلك الحلم أشبه برسالة وداع، لكنها حملت معها امتنانًا عميقًا. شعرت أنني أصبحت جزءًا من قصة هذا المنزل.

تعليقات

المشاركات الشائعة